فصل: فصل في متشابهات السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم




.سورة المنافقون:

.فصول مهمة تتعلق بالسورة الكريمة:

.فصل في فضل السورة الكريمة:

قال مجد الدين الفيروزابادي:
فضل السّورة:
روى فيه من الأَحاديث المردودة حديث أُبي: «من قرأها برئ من النِّفاق».
وحديث علي: «يا علي مَنْ قرأها أَعطاه الله مثل ثواب من أَنفق حمل بعير دينارا في طاعة الله، وخرج من الدنيا على رضا الله، وله مثل ثواب مَن يقضى دَيْن أَبويه بعد موتهما، وجعل الله اثني عشر منافقًا فداه من النَّار». اهـ.

.فصل في مقصود السورة الكريمة:

.قال البقاعي:

سورة المنافقون:
مقصودها كمال التحذير مما يثلم الإيمان من الأعمال الباطنة، والترهيب مما يقدح في الإسلام من الأحوال الظاهرة، بمخالفة الفعل للقول فإنه نفاق في الجملة فيوشك يجر إلى كمال النفاق فيخرج من الدين ويدخل الهاوية، ليكون هذا التحذير سببا في صدق الأقوال ثم صدق الأعمال ثم صدق الأخلاق ثم صدق الأحوال ثم قف الأنفاس، فصدق القول أن لا يقول القائل إلا عن برهان، وصدق العمل أن لا يكطون للبدعة عليه سلطان، وصدق الأخلاق أن لا يلاحظ ما يبدو منه من الإحسان بعد المبالغة فيه بعين النقصان، وصدق الأحوال أن يكون على كشف وبيان وصدق الأنفاس أن لا يتنفس إلا عن وجود كالعيان، وتسميتها بالمنافقين واضحة في ذلك. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

.بصيرة في: {إذا جاءك المنافقون}:

السّورة مدنيّة بالاتِّفاق.
آياتها إِحدى عشرة.
كلماتها مائة وثمانون.
حروفها سبعمائة وست وسبعون.
فواصل آياتها (نون) سمّيت سورة المنافقين بمفتتحها.

.معظم مقصود السّورة:

تقريع المنافقين وتبكيتهم، وبيان ذلِّهم وكذبهم، وذكر تشريف المؤمنين وتبجيلهم، وبيان عزّهم وشرفهم، والنَّهى عن نسيان ذكر الحقِّ تعالى، والغفلة عنه، والإِخبار عن ندامة الكفَّار بعد الموت، وبيان أَنَّه لا تأْخير ولا إِمهال بعد حلول الأَجل، في قوله: {وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا} الآية. وليس فيها ناسخ ولا منسوخ.

.فصل في متشابهات السورة الكريمة:

.قال ابن جماعة:

سورة المنافقين:
39- مسألة:
قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} ثم قال بعده: {وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}؟.
جوابه:
لما قالوا: {لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} ختم بأنهم {لَا يَفْقَهُونَ} أي لايفهمون أن الأرزاق على الله تعالى، وأن منعهم ذلك لا يضرهم لأن الله تعالى يرزقهم إذا منعوهم من جهة أخرى، فلما كان الفكر في ذلك أمرا خفيا يحتاج إلى فكر وفهم، وأن خزائن الله سبحانه مقدورته إذا شاءها قال: {لَا يَفْقَهُونَ}.
وأما: {لَا يَعْلَمُونَ}: فرد على عبد الله بن أبي حين قال: {لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} لأن ذلك يدل على عدم علمه أن العزة لله وللرسول، يعز من يشاء ويذل من يشاء، فمنه العزة وهو معطيها لمن يشاء، وليس ذلك إلى غيره، وذلك من الأمور الظاهرة لمن عرف الله تعالى، فجهَّلَهم بقولهم ذلك مع ظهور دليله. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

المتشابهات:
قوله: {وَلَاكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ} وبعده: {لاَ يَعْلَمُوْنَ}، لأَنَّ الأَوّل متّصل بقوله: {وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} وفي معرفتها غموض يَحتاج إِلى فطنة، والمنافق لا فطنة له؛ والثاني متّصل بقوله: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَاكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} أَي لا يعلمون بأَنَّ الله مُعِزّ لأَوليائِه ومذِلٌّ لأَعدائه.

.فصل في التعريف بالسورة الكريمة:

.قال ابن عاشور:

سورة المنافقون:
سميت هذه السورة في كتب السنة وكتب التفسير (سورة المنافقين) اعتبارًا بذكر أحوالهم وصفاتهم فيها.
ووقع هذا الاسم في حديث زيد بن أرقم عند الترمذي قوله: «فلما أصبحنا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المنافقين». وسيأتي قريبًا.
وروَى الطبراني في (الأوسط) عن أبي هريرة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة فيحرض بها المؤمنين، وفي الثانية بسورة المنافقين فيُقرع بها المنافقين».
ووقع في (صحيح البخاري) وبعض كتب التفسير تسميتها (سورة المنافقون) على حكاية اللفظ الواقع في أولها وكذلك ثبت في كثير من المصاحف المغربية والمشرقية.
وهي مدنية بالاتفاق.
واتفق العادُّون على عدّ آيها إحدى عشرَةَ آية.
وقد عُدّت الثانية بعد المائة في عداد نزول السور عند جابر بن زيد. نزلت بعد سورة الحج وقبل سورة المجادلة.
والصحيح أنها نزلت في غزوة بني المصطلق.
ووقع في (جامع الترمذي) عن محمد بن كعب القرظي (أنها نزلت في غزوة تبوك). ووقع فيه أيضًا عن سفيان: أن ذلك في غزوة بني المصطلق.
(وغزوةُ بني المصطلق سنة خمس، وغزوة تبوك سنة تسع).
ورجّح أهل المغازي وابن العربي في (العارضة) وابن كثير: أنها نزلت في غزوة بني المصطلق وهو الأظهر. لأن قول عبد الله بن أبيّ ابن سلول: {ليُخْرجن الأعز منها الأذلّ}، يناسب الوقت الذي لم يَضعف فيه شأن المنافقين وكان أمرهم كل يوم في ضعف وكانت غزوة تبوك في آخر سني النبوءة وقد ضعُف أمر المنافقين.
وسبب نزولها:
ما روي عن زيد بن أرقم أنه قال: كنا في غزاة فكَسع رجل من المهاجرين رجلًا جُهَنِيًّا حَليفًا للأنصار فقال الجهني: يَا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين: فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوى الجاهلية، قالوا: كَسَع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار فقال: «دَعُوها فإنها مُنْتِنَة» أي اتركوا دعوة الجاهلية: يآل كذا. فسمع هذا الخبر عبد الله بن أُبيّ فقال: أقد فعلوها أمَا والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخْرِجن الأعزّ منها الأذّل. وقال: لا تنفقوا على مَن عندَ رسول الله حتى ينفضوا من حوله، قال زيد بن أرقم: فسمعت ذلك فأخبرت به عَمي فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فدعاني فحدثته فأرسل رسول الله إلى عبد الله بن أُبيّ وأصحابه فحلفوا ما قالوا، فكذّبني رسول الله وصدَّقه فأصابني همّ لم يصبني مثلُه فقال عمّي: ما أردتَ إلا أن كذبك رسول الله، وفي رواية: إلى أن كَذَّبك، فلما أصبحنا قرأ رسول الله سورة المنافقين وقال لي: «إن الله قد صدقك». اهـ.

.قال سيد قطب:

تقديم لسورة المنافقون:
هذه السورة التي تحمل هذا الاسم الخاص (المنافقون) الدال على موضوعها.. ليست هي السورة الوحيدة التي فيها ذكر النفاق والمنافقين، ووصف أحوالهم ومكائدهم. فلا تكاد تخلو سورة مدنية من ذكر المنافقين تلميحا أو تصريحا. ولكن هذه السورة تكاد تكون مقصورة على الحديث عن المنافقين، والإشارة إلى بعض الحوادث والأقوال التي وقعت منهم ورويت عنهم.
وهي تتضمن حملة عنيفة على أخلاق المنافقين وأكاذيبهم ودسائسهم ومناوراتهم، وما في نفوسهم من البغض والكيد للمسلمين، ومن اللؤم والجبن وانطماس البصائر والقلوب.
وليس في السورة عدا هذا إلا لفتة في نهايتها إلى الذين آمنوا لتحذيرهم من كل ما يلصق بهم صفة من صفات المنافقين، ولو من بعيد. وأدنى درجات النفاق عدم التجرد لله، والغفلة عن ذكره اشتغالا بالأموال والأولاد، والتقاعس عن البذل في سبيل الله حتى يأتي اليوم الذي لا ينفع فيه البذل والصدقات.
وحركة النفاق التي بدأت بدخول الإسلام المدينة، واستمرت إلى قرب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تنقطع في أي وقت تقريبا، وإن تغيرت مظاهرها ووسائلها بين الحين والحين.. هذه الحركة ذات أثر واضح في سيرة هذه الفترة التاريخية وفي أحداثها؛ وقد شغلت من جهد المسلمين ووقتهم وطاقتهم قدرا كبيرا؛ وورد ذكرها في القرآن الكريم وفي الحديث الشريف مرات كثيرة تدل على ضخامة هذه الحركة، وأثرها البالغ في حياة الدعوة في ذلك الحين.
وقد ورد عن هذه الحركة فصل جيد في كتاب: (سيرة الرسول: صور مقتبسة من القرآن الكريم) لمؤلفه الأستاذ (محمد عزة دروزة) نقتطف منه فقرات كاشفة:
وعلة ظهور تلك الحركة في المدينة واضحة، فالنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون الأولون في مكة لم يكونوا من القوة والنفوذ في حالة تستدعي وجود فئة من الناس ترهبهم أو ترجو خيرهم، فتتملقهم وتتزلف إليهم في الظاهر، وتتآمر عليهم وتكيد لهم وتمكر بهم في الخفاء، كما كان شأن المنافقين بوجه عام. ولقد كان أهل مكة وزعماؤها خاصة يناوئون النبي جهارا، ويتناولون من استطاعوا من المسلمين بالأذى الشديد، ويقاومون الدعوة بكل وسيلة دون ما تحرز أو تحفظ؛ وكانت القوة لهم حتى اضطر المسلمون إلى الهجرة فرارا بدينهم ودمهم إلى الحبشة أولا، ثم إلى يثرب؛ وحتى فتن بعضهم عن دينه بالعنف والإكراه، أو بالإغراء والتهويش؛ وحتى تزلزل بعضهم وتبرم ونافق المشركين، وحتى مات بعض من ناله الأذى ممن ثبت على دينه نتيجة للتعذيب...
أما في المدينة فقد كان الأمر مختلفا جدا. فالنبي صلى الله عليه وسلم استطاع قبل أن يهاجر إليها أن يكسب أنصارا أقوياء من الأوس والخزرج؛ ولم يهاجر إلا بعد أن استوثق من موقفه، ولم يبق تقريبا بيت عربي فيها لم يدخله الإسلام. ففي هذه الحالة لم يكن من الهين أن يقف الذين لم يؤمنوا به- إما عن جهالة وغباء، وإما عن غيظ وحقد وعناد، لأنهم رأوا في قدوم النبي حدا لنفوذهم وسلطانهم- موقف الجحود والعداء العلني للنبي والمسلمين من المهاجرين والأنصار؛ وكان للعصبية في الوقت نفسه أثر غير قليل في عدم الوقوف هذا الموقف، لأن سواد الأوس والخزرج أصبحوا أنصار النبي، ومرتبطين به بمواثيق الدفاع والنصر، إلى أن جلهم قد حسن إسلامهم، وغدوا يرون في النبي رسول الله، وقائدهم الأعلى الواجب الطاعة، ومرشدهم الأعظم الواجب الاتباع، فلم يكن يسع الذين ظلت تغلبهم نزعة الشرك، ويتحكم فيهم مرض القلب والمكابرة والحقد، ويحملهم ذلك على مناوأة النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته ونفوذه- أن يظهروا علنا في نزعتهموعدائهم، ولم يكن أمامهم إلا التظاهر بالإسلام، والقيام بأركانه، والتضامن مع قبائلهم. وجعل مكرهم وكيدهم ودسهم ومؤامراتهم بأسلوب المراوغة والخداع والتمويه، وإذا كانوا وقفوا أحيانا مواقف علنية فيها كيد ودس، وعليها طابع من النفاق بارز، فإنما كان هذا منهم في بعض الظروف والأزمات الحادة التي كانت تحدق بالنبي والمسلمين، والتي كانوا يتخذونها حجة لتلك المواقف بداعي المصلحة والمنطق والاحتياط؛ ولم يكونوا على كل حال يعترفون بالكفر أو النفاق، غير أن نفاقهم وكفرهم ومواقفهم في الكيد والدس والتآمر لم تكن لتخ في على النبي صلى الله عليه وسلم والمخلصين من أصحابه من المهاجرين والأنصار، كما أن المواقف العلنية التي كانوا يقفونها في فرص الأزمات كانت مما تزيد كفرهم ونفاقهم فضيحة ومقتا. وقد كانت الآيات القرآنية توجه إليهم كذلك الفضائح المرة بعد المرة، وتدل عليهم بما يفعلون أو يمكرون، وتدمغهم بشرورهم وخبثهم ومكايدهم، وتحذر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين منهم في كل ظرف ومناسبة.
ولقد كانت مواقف المنافقين ومكايدهم بعيدة المدى والأثر على ما تلهم الآيات المدنية، حتى لكأنه نضال قوي، يذكر بما كان من نضال بين النبي صلى الله عليه وسلم وزعماء مكة، وإن اختلفت الأدوار والنتائج؛ إذ أن النبي لم يلبث أن أخذ مركزه يتوطد وقوته تزداد، ودائرة الإسلام تتسع، وصار صاحب سلطان وأمر نافذ وجانب عزيز؛ وإذ لم يكن المنافقون كتلة متضامنة ذات شخصية خاصة بارزة، وكان ضعفهم وضآلة عددهم وشأنهم يسيران سيرا متناسبا عكسيا مع ما كان من تزايد قوة النبي صلى الله عليه وسلم واتساع دائرة الإسلام، وتوطد عزته وسلطانه.
ويكفيك لأجل أن تشعر بخطورة الدور الذي قام به المنافقون، وخاصة في أوائل العهد، أن تلاحظ أن المنافقين كانوا أقوياء نسبيا بعصبياتهم التي كانت ما تزال قوية الأثر في نفوس سواد قبائلهم، كما أنهم لم يكونوا مفضوحين فضيحة تامة، ولم يكن الإسلام قد رسخ في هذا السواد رسوخا كافيا؛ وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان محوطا بالمشركين الجاحدين من كل جانب، وأهل مكة خصومه الألداء، وهم قبلة الجزيرة يتربصون به الدوائر، ويتحينون كل فرصة ووسيلة للقضاء عليه؛ واليهود في المدينة وحولها قد تنكروا له منذ عهد مبكر وتطيروا به، ثم جاهروه بالكفر والعداء والمكر؛ ولم يلبث أن انعقد بينهم وبين المنافقين حلف طبيعي على توحيد المسعى، والتضامن في موقف المعارضة والكيد، حتى ليمكن القول: إن المنافقين لم يقووا ويثبتوا ويكن منهم ذلك الأذى الشديد والاستمرار في الكيد والدس إلا بسبب ما لقوه من اليهود من تعضيد، وما انعقد بينهم من تضامن وتواثق، ولم يضعف شأنهم ويخف خطرهم إلا بعد أن مكن الله للنبي من هؤلاء وأظهره عليهم، وكفاه شرهم. اهـ.